محمود الجاف
( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ) صدق الله العظيم
دخل القائد الفرنسي غورو عام 1920 م مدينة دمشق ووقف على قبر صلاح الدين الايوبي الرجل المسلم الكردي الذي طهر بيت المقدس من دنس الصليبيين وأعادها الى روضة الاسلام قائلا : ها قد عدنا ثانية وركل القبر بحذائه .
الأكراد : هم من شعوب الشرق الاصليين وليسوا من الفرس كما أشيع عنهم لأهداف سياسية ويتواجدون منذ القدم في مناطقهم الحالية وعلى الرغم من تدفق المهاجرين اليهم إلا انهم حافظوا على خصوصيتهم ويقدر عددهم ما يقارب الاربعين مليون منهم حوالي المليون منتشرين في دول العالم كجاليات خصوصا في اوربا .
وكردستان هي الهضبة الفسيحة التي تقع شمال العراق وغرب ايران وجنوب شرق تركيا وشمال شرق سوريا وتقدر مساحتها ( 500,000 , 2 كم ) تم تقسيمها حسب اتفاقية ( سايكس بيكو ) وتتميز بجبالها الشامخات ووديانها العميقة التي تملئها البحيرات والأنهار العذبة وتكثر فيها الغابات الكثيفة وتتميز ببرودة شديدة شتاءا والاعتدال في الربيع والصيف . فيها المناظر الخلابة التي تسحر العيون وتنتشر فيها زراعة العنب والجوز والرمان والفواكه والقمح والشعير خاصة في سهول كردستان العراق وسوريا .
حجبت سحب النسيان تأريخهم العريق الحافل بالأمجاد والأحداث الهامة ويتفق اكثر الباحثين انهم ينتمون الى المجموعة الآرية رغم اختلافهم في بيان اصل كلمة ( كُرد ) فبعضهم يعتقد انها تعود الى ( الكوتيين ) و ( الكيرتي ) او ( سيرتي ) و ( الكاردوخ ) و ( الكورتي ) و ( الخلدي ) والبعض يبحث عن اصلها من خلال اللغة الكردية لانتمائها الى اسرة اللغات الايرانية ويقول الشيخ محمد امين البغدادي في كتابه سبائك الذهب انهم ينتمون الى جدهم الاعلى ( كُرد ) كما ورد صفحة ( 64 ) ما نصه ( كُرد ) جبل معروف والجمع اكراد فجدهم كرد بن عمر بن مزيقيا بن عامر بن ماء السماء بن حارثة الغطريف بن امرؤ القيس بن ثعلبة بن مازن بن الازد ومنه تفرعت اغلب قبائلها .
شكلوا مكونا اساسيا على كافة المستويات وكان لهم دور كبير في رسم الخارطة السياسية والاجتماعية والاقتصادية لهذه البقعة من العالم والتي تميزت بأهميتها الدينية فسفينة النبي نوح عليه السلام استوت على الجودي كما ذكر في القران الكريم (وَقُضِيَ الأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ) سورة هود , 44 وجودي جبل يتوسط كردستان وقد ذكر ابن كثير رحمه الله قول مجاهد وهو من التابعين : بأن جودي جبل يتبع اليوم جغرافيا لتركيا . وكذلك موطن نبي الله ابراهيم عليه السلام وما زالت آثار قلعة النمرود والبحيرة التي تكونت مكان النار التي رموه بها في مدينة اورفا في كردستان تركيا وقد اكد ابن كثير والقرطبي والآلوسي وغيرهم من المفسرين عند ذكرهم قصة سيدنا إبراهيم أن الرجل الذي صنع المنجنيق الذي استخدم لرميه في النار هو كردي اسمه ( هيزن ) وهي اشارة على وجود هذا الشعب منذ أقدم العصور كما أن لدلالة مكان الحادثة والأسماء إشارات إلى علاقة سيدنا إبراهيم بالأكراد فالملك الذي أمر بحرقه اسمه كردي (نمرود) ومعناه بالعربية ( الخالد الذي لا يموت ) لأنه كان يدعي الإلوهية واسم إبراهيم كردي معناه ( المولود قرب الصخر ) واسم زوجته وابنة عمه سارة ( مشتق من البرودة) واسم أبيه آزر ( مشتق من اللون الأصفر ) والمعروف انهم لاقوا الاذى على يد اقوامهم بدليل مخاطبتهم لهم كما ورد في القران الكريم ( يا قومي ) وهي اشارة من المفسرين لبيان قوم سيدنا ابراهيم وهم الكرد فقد ذكروا انه حطم الاصنام لما خرجوا للاحتفال بعيد النيروز وهو قال انه سقيم والله اعلم .
دخل الاكراد في الاسلام طواعية بشكل جماعي على يد الصحابي الجليل عياض بن غنم رضي الله عنه عندما طرق باب كردستان في خلافة سيدنا عمر رضي الله عنه فلم تذكر بينهم اية معركة فاصلة واستمروا بإخلاصهم وولائهم للدولة الاسلامية زمن الخلافة الاموية والعباسية ومنهم الصحابي الجليل ( جابان الكردي ) الذي أورده ابن حجر في كتابه الإصابة في تمييز الصحابة وهو والد التابعي الجليل ميمون الكردي الذي ذكره الآلوسي في تفسيره 26 , 105
وفي العصر العباسي انطلقت العائلة الأيوبية المتمثلة في نجم الدين أيوب وأخوه أسد الدين شيركو وابنه صلاح الدين الأيوبي الذي لبى نداء الأقصى وهو يئن تحت وطأة الفرنجة فحرره من براثنهم وأعاده إلى البيت الإسلامي . وفي ظل الخلافة العثمانية كانوا موالين بإخلاص . الامر الذي دفع العثمانيين الى منحهم حكما ذاتياً في أكثر من 36 ولاية شبه مستقلة على مدى ثمانية قرون وعندما تولى كمال أتاتورك الأمر قضى على الخلافة العثمانية ثم ارسل ثمان فرق عسكرية باتجاه كردستان للقضاء على ثورة الشيخ سعيد بيران في ديار بكر عام 1925 م على الرغم أن ثورته طالبت بإعادة سلطة الخلافة الإسلامية .
لم يكن الكرد بعيدين عن الساحة العلمية ولم ينقطع عطاؤهم الحضاري فكردستان كانت محطة لرصد النجوم والكواكب ومقراً للعلوم الفلكية وفي هذا المجال برز العالم الجزري 602 هـ 1206 م , صاحب كتاب ( الجامع بين العلم والعمل ) الذي وضع أساس علم الميكانيك (الحيل) والهيدروليك باختراع مجموعة من الآلات والمضخات والساعات التي تعمل آليا وقد وصف سارتون كتابه المذكور بأنه ( أكثر الأعمال تفصيلا من نوعه ويمكن اعتباره الذروة في هذا المجال بين الإنجازات الإسلامية ) وقد عاش في منطقة آمد وطبق أفكاره فيها وقد ترجم كتابه إلى عدة لغات أما في علوم اللغة الأدب والنقد فقد ظهر ابن الحاجب وقدم الكافية في النحو والشافية في الصرف والخط كما اشتهر أبو القاسم الحسن بن بشر بن يحيى الآمدي 370 , 980 م كعالم بالشعر وناقد موضوعي ويعتبر كتابه الموازنة بين الطائيين بحث ودراسة منهجية ناضجة في مجال النقد وقد أشاد به معظم المؤرخين ونقل أبو علي القالي 356هـ 966 م أمهات الكتب والتصانيف من المشرق إلى الأندلس وجمع حوله أشهر علمائها ونال الاحترام والحظوة في قرطبة وأشهر أعماله الأمالي ومعجم البارع .
وفي مجال تدوين التأريخ اشتهر ابن الأثير 630هـ 1234م صاحب كتاب الكامل في التأريخ بدقته العلمية والموضوعية ويعد من أهم المصادر الإسلامية . أما أبو الفداء اسماعيل بن عبد الملك الأفضل الأيوبي 732 هـ 1331 م فقد كان حاكما وعالما كتب في معظم العلوم نثرا وشعرا ( الطب ، الفلك ، الفقه ، الأدب ، التأريخ ، الجغرافيا ) وأهم أعماله كتاب المختصر في تاريخ البشر وفي الجغرافيا . تقويم البلدان وهو من الكتب المشهورة في اوروبا وترجم إلى بعض لغاتها كما ظهر ابن خلكان 681 هـ 1281 م كأبرز الذين صنفوا في حقل التراجم ويعتبر كتابه وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان من أهم المصادر في التراجم وتأريخ الرجال .
أما في مجال العلوم الشرعية والقضائية فيوجد إنجازات كثيرة جدا لأبناء هذا الشعب المعطاء وفي علوم القرآن والتفسير ظهر من الهكاريين والعلامة حفيد أبي بكر المصنف ونبغ في علم الحديث ابن الصلاح الشهرزوري وفي الفقه سطع نجم شيخ الإسلام ابن تيمية الحراني نسبة إلى حران وهي مدينة في كردستان تركيا قريبة من اورفا وفي علم الأصول ظهر سيف الدين الآمدي ( نسبة إلى آمد ) وهي ديار بكر الآن ومحمد الكوراني مربي القائد محمد فاتح القسطنطينية وأستاذه وبقي من المقربين له وخاصته إلى ان توفي .
أما المعاصرين فليسوا بأقل من سابقيهم عطاءا وإنتاجاً فأحمد شوقي وعباس محمود العقاد والعائلة التيمورية والقارئ الشيخ عبد الباسط عبد الصمد ومحمد عبده وسعيد النورسي وعبد الكريم المدرس والدكتور علي محي الدين القره داغي والشيخ أحمد كفتارو والعلامة احمد مفتي زادة وناصر سبحاني وعز الدين الحسيني من أقطاب علماء السنة في إيران . والأكراد مسلمون بنسبة 98% على مذهب الإمام الشافعي وبذلك يكونوا أكثر شعوب العالم الإسلامي نقاءاً من الفرق الضالة ولهم لغتان رئيسيتان هما البهدينية والسورانية . ينبع من كردستان أعظم نهرين هما دجلة والفرات وسيحان وجيحان وغالب جريانهما عبر الأراضي الكردية وقد ورد عن النبي ﷺ أنه قال ( سيحان وجيحان والفرات والنيل أنهار من الجنة ) رواه مسلم .
الحياة في كردستان رعوية زراعية تسودها القبلية الإيجابية نوعاً ما ولكن الاكراد في ايران يكتوون بنارين . أما الأول فلأنهم مسلمين من أهل السنة والجماعة والثاني لأنهم اكراد . ولم تنقطع مأساتهم في فترة الشاه ولا الحكومة الحالية التي قتلت وأعدمت الكثير منهم كما ذكرت امهات كتبهم واكده جلال الدين الصغير مؤخرا ان مهديهم المزعوم عند خروجه ستكون اولى معاركه معهم وسيبيدهم بالكامل وتحديدا اكراد العراق .
..
لاتنسى الاعجاب بصفحتنا عبر الفيس بوك لمتابعة كل جديد .
تابعلاتنسى الاعجاب بصفحتنا عبر كوكل بلس لمتابعة كل جديد
تابعلاتنسى الاعجاب بصفحتنا عبر تويتر لمتابعة كل جديد .
تابعلاتنسى الاعجاب بصفحتنا عبر اليوتيوب لمتابعة كل جديد .
تابع