|
سي ان ان عربي المملكة المتحدة سي ان ان عربي المملكة المتحدة
رئيسية

أخر الاخبار

رئيسية
randomposts
ÌÇÑí ÇáÊÍãíá ...
randomposts

Comments

قطة تعزف على مائدة الدرويش


علي السوداني

موقعُ الحانة بنهاية المنحدر ، جعل بابها مكباً سهلاً  للنفايات . هذا لا يعني بالضرورة أنّ مكان الضجيج كان سيئاً . علبة جعة معمولة من الألمنيوم تعزف على سفح المنخفض ، وحيث تصل باب الحان ، ستجد قطة الزقاق العرجاء ، ناطرة ً كأنها ببيت بخيلٍ لا ينام .
ليس ثمة نغمة تنساب على عقل المنظر . ألساعةُ قفزت فوق منتصف الليلة بساعتين . 
رجلٌ ضخمٌ ملفوفٌ بجاكيت أسود يغطي أذنيه ، ومع هبوب الريح الصافرة ، يتحول خدّاه إلى مصفعة مضحكة . لا أحد في الشارع يكسر رتابة المشهد ، لكنّ الكائن الضخم لم يفقد الأمل بعد ، بانتظار هبوط زبون بطران من أخير الليل ، به رغبة مجنونة لتلميع حذائه . عليَّ اللحظة المملة أن ألعبَ لعبة تفزيز أثاث الذاكرة العتيق ، كي أدفع فاتورة الكأس الأخيرة . 
أول منبوشات الرأس كانت صورة سالم الحلو ، ملمّع الأحذية النابت بباب حانة عشتار ببغداد العباسية . أنا أدركتُ الشاب لكن لم أعثر على بقيا وسامة منطفئة على وجه سالم ، لذلك ظلّ رأسي حائراً بين هذا الوجه الأصفر الميت ، وبين لقبه المحبب الذي عُرفَ به من قبل زبائن البار القديم . كان يدور على موائد الحان المدخنة ، وهو يلفّ وسطَهُ بقماشٍ ملطخ بالأسود والأبيض والبني المنطفىء ، ويحمل بيمينه نعلاً مصنوعاً من النايلون القاسي الرخيص . 
سالم الشاطر لا يملُّ من التحديق بوجوه جلاس الحانة ، وحيث تأتيه تلويحة رزقٍ طيبةٍ منبعثة من إحدى الموائد السهرانة ، فإنه سيقوم بحركته الخفيفة التي يهبط بها تحت الطاولة ، ليأخذ الحذاء المنتظر ، ثم يترك النعل تحت قدمي زبونه المريح . 
بويَجي الزقاق المحتضر الليلةَ ، ليس شاطراً مثل سالم البغدادي الغائب . هو يكتفي فقط برشّ نظراته الكسولة فوق أحذية المارّة الشحيحين ، وحيث يموت الأمل بقنص زبونٍ تائه ، يدس الرجل التعيس يده الثقيلة ، ببطن جارور الصندوق الخشبي المرصّع بمسامير لامعة ، ليخرجَ سيجارةً أخيرة من مصطبة الإحتياط .
لم يبقَ من أثاث الحانة سوايَ ، وامرأة جميلة تلبطُ على أول الخمسين ، تشاكسُ حافة الكأس بشفتيها المنفوختين تارةً ، وتمصُّ رأس أنبوب الأرجيلة تارةً أُخرى ، مانحةً صحن الفحم ، فرصةً ممكنة كي ينهض من تحت الرماد . 
أحببتُ منظر الستّ الخمسينية المدهشة ، وودتُ أن أتلو عليها وشلَ قصيدة مهيّجةٍ تركلُ مخّي الآن ، لكنني صحوتُ على صوت النادل الرحيم هاني البحيري ، وهو يهزّ كتفيَّ مثل أُمٍّ لا تريد لوليدها الغضّ أن يموت بحفرة حربٍ بعيدة . 

  • لاتنسى الاعجاب بصفحتنا عبر الفيس بوك لمتابعة كل جديد .

    تابع
  • لاتنسى الاعجاب بصفحتنا عبر كوكل بلس لمتابعة كل جديد

    تابع
  • لاتنسى الاعجاب بصفحتنا عبر تويتر لمتابعة كل جديد .

    تابع
  • لاتنسى الاعجاب بصفحتنا عبر اليوتيوب لمتابعة كل جديد .

    تابع

الموقع لايتحمل أية مسؤولية عن المواد المنشورة في قسم الاراء ويتحمل الكاتب كامل المسؤولية عن أرائه وما يرد فيها التي تخالف القوانين أو تنتهك حقوق الملكية أو حقوق الآخرين أو أي طرف آخر .. والموقع يكفل حق الرد للجميع

جميع الحقوق محفوظة لموقع

سي ان ان عربي المملكة المتحدة

2019