د. قيس النوري
توتر الأوضاع على ضفتي الخليج العربي وحوضه ينبئ بتصاعد أزمة المواجهة نحو منحى تصاعدي خطر، وهي أزمة متشابكة لا تنحصر بين طرفيها الأميركي والإيراني فقط، وإنما تتداخل معها مواقف أطراف محلية عربية وإقليمية ومصالحها، لذلك فهي ليست أزمة محدودة في إطارها الضيق، وإنما تطال أبعاداً دولية، من هنا لا يمكن حصرها بين طرفين بخاصة إذا ما وصلت إلى ذروتها بالصدام مما تولد وضعاً جديداً لا يتشابه مع ما هو سائد الآن، ففي حالة غياب اللاعب الإيراني أو انكماشه فإن ذلك سوف يترك تأثيراته المباشرة على العراق، أولاً، ولأكثر من سبب، حيث تورط النظام الإيراني وذهب بعيداً في بناء تنظيمات حزبية ميليشياوية مسلحة تدين بالولاء له، وهي على استعداد للتخلي عن المصالح الوطنية العراقية بالمغامرة اصطفافاً مع الجانب الإيراني، وفي حالة اللجوء إلى خيار الحرب، لن يخرج منها النظام الإيراني إلا وتحول صفراً على صعيد الداخل، وحالة التصفير هذه لن تقتصر على النظام داخل حدوده، وإنما تسحب معها جميع ما عملت إيران على أبنيتها الميليشاوية في العراق وسوريا ولبنان واليمن، كونها تعتمد بنحو كلي على دعم النظام سياسياً ومعنويا طالما ارتبطت بخطابه المذهبي، وهي حالة شاذة تتعارض والمصلحة الوطنية، حتى باتت هذه التنظيمات مجرد جاليات إيرانية مسلحة منفصلة بقطع عميق مع مصالح البلدان، التي تعمل فيها .
الأزمة بين إدارة ترامب ونظام الملالي ليست أزمة عابرة تنتهي مفاعيلها بالتوصل إلى اتفاق ما بينهما، إنها منعطف مفصلي يشكل حدثا مهماً في مجريات السياسة لمرحلة ما بعد الازمة، إدارة ترامب وضعت النظام الإيراني في منطقة حصر محققة ما بين خيارين لا ثالث لهما، أما القبول والانصياع للشروط الأميركية الاثني عشر، وهي شروط، إن قبل بها النظام فهي قاتلة له على الصعيدين الداخلي والخارجي بالقدر نفسه، وإن تمادى النظام بالرفض وراهن على حل عسكري، فإن نتائجه معروفة سلفاً نظراً للفجوة الهائلة في ميزان القوة العسكري بين الطرفين، بل أن الطرف الأميركي ربما يحبذ الخيار العسكري كمدخل نحو إكمال قبضته بنحو نهائي على المنطقة ومصادر الطاقة فيها، وربما تكون أحد أهدافه غير المعلنة هي الاحواز وما فيها من مكامن نفطية هائلة، وهو احتمال وارد ربما تحدده تطورات الحرب ميدانياً .
لقد أوقع النظام الإيراني نفسه في خطأ ومأزق استراتيجيين قاتلين عندما تعاون مع الأمريكان في حربهم على أفغانستان والعراق، ذلك التعاون، الذي أثمر في نهاية المطاف تواجداً عسكرياً أميركياً مباشر في أفغانستان شرق إيران، وتواجداً عسكرياً كثيفاً في العراق غربها، وبذلك أصبحت إيران محاطة بقواعد أميركية ضاربة من الشرق والغرب، بالأضافة إلى الوجود الأميركي جنوب غرب إيران في الضفة الأخرى من الخليج العربي، بذلك باتت إيران في منطقة حصر عسكري أميركي كامل.
لقد راهن النظام الإيراني بتعاونه مع الأمريكان في الحرب على العراق منطلقا من نوايا ثأرية قصيرة النظر، من دون الإدراك بأن تلك الخطوة سوف تنعكس بالضرر الفادح على المصلحة الوطنية الإيرانية مستقبلا عندما يعمد الأمريكان إلى تنفيذ الصفحة التالية من أهدافهم بعيدة الأمد حيال عموم المنطقة.
لقد ظنّ قادة النظام الإيراني أن تعاونهم ذاك إنما هو تحالف من دون أن يدركوا أن الحليف الوحيد الموثوق للولايات المتحدة هو إسرائيل ليس غيرها، وأن الأمريكان وظفوا النظام الإيراني توظيفاً ينتهي بانتهاء وظيفته، فهو نظام مستأجر لغرض محدد تمثل بالإجهاز على النظام الوطني العراقي، أما أن يذهب النظام الإيراني إلى أبعد من ذلك، فهذا ليس من شروط العقد وبنوده.
الأزمة الحالية تؤكد من جديد أن العراق يمثل بيضة القبان للمنطقة، فهذا البلد على رغم أنه ليس عنوانا للأزمة، لكنه حاضر بقوة لكلا الطرفين، فهو بالغ الأهمية للأمريكان في مسرح الحرب، وهو كذلك لإيران، التي تتوهم أن ميليشياتها المسلحة تشكل بؤراً لخط الدفاع والمواجهة الأول خارج أراضيها أمام القوات الأميركية، وهو تصور ساذج وغير واقعي كون هذه الميليشيات غير قادرة على مواجهة جيش بهذه القوة وكذلك كونها معزولة تماما عن بيئتها العراقية الرافضة لسلوكها وارتباطها الأجنبي، حيث ينظر لها العراقيون بصفتها جيوباً إيرانية، حالها حال الوجود العسكري الأميركي المرفوض بدوره.
الشاهد، أن المنطقة لن تعود، كما هي الآن، بعد انتهاء الأزمة الأميركية الإيرانية في كلا الحالتين، بالتفاوض أو الحرب، كون هذه الازمة وراءها أهداف، وهي أهداف ثمينة، بالتأكيد، مما تطلب هذا الحشد الكبير للقوة.
النظام الإيراني، اليوم، يدفع استحقاقات ممارساته العدوانية ونزوعه غير المشروع للعب دور أكبر من طاقاته ومنهجه بإدارة السياسة بإثارة النعرات الطائفية الضيقة رافعة عقيمة متخلفة ووسيلة في سياسته الخارجية تجاه المحيط الإقليمي بالقدر نفسه الذي وفر فيه الفرصة لليانكي الأميركي لافتراس المنطقة وثرواتها جراء الغباء السياسي.
لاتنسى الاعجاب بصفحتنا عبر الفيس بوك لمتابعة كل جديد .
تابعلاتنسى الاعجاب بصفحتنا عبر كوكل بلس لمتابعة كل جديد
تابعلاتنسى الاعجاب بصفحتنا عبر تويتر لمتابعة كل جديد .
تابعلاتنسى الاعجاب بصفحتنا عبر اليوتيوب لمتابعة كل جديد .
تابع