سروه عثمان مصطفى / د.محمد فتحي عبد العال
(ان الدين هو ضياء القلوب أما العلوم الحديثة فهي نور العقول ) بهذه الكلمات القليلة والعميقة المعني والاثر اوجز بطل حلقتنا منهجه انه بديع الزمان سعيد النورسي صاحب المدرسة المتفردة في الفكر الاسلامي الوسطي والذي ولد في قرية نورس شرقي الاناضول لأبوين كرديين كانا مضرب المثل في الصلاح والتقي وهما من عشائر قبائل الهكارية في تركيا.
تلقي سعيد تعليمه الاول في بلدته حيث ظهرت عليه علامات النبوغ والنجابة حتي لقب ببديع الزمان وسعيدي مشهور ..
مر سعيد بطورين حياتيين اولهما :سعيد القديم والذي تمثل في محاولته رأب الصدع في الخلافة العثمانية المقتربة من النهاية او رجل أوروبا المريض كما أشتهرت انذاك ..الا أن علة الخلافة وافول بريقها والتفاف الاعداء من حولها كانت جميعها عوامل من الصعوبة بمكان للحيلولة دون تداعي الخلافة او حتي تأخير موعد النهاية ...
الا ان هزيمة الباب العالي في الحرب العالمية- الاولي عجلت بانهيار الخلافة العثمانية ايذانا بتصدعات خطيرة في البنية الاساسية لحاضرة العالم الاسلامي والتي ملكت الدنيا لستة قرون حيث جرت تغييرات واسعه هدفت في المقام الاول لاستئصال اية مظاهر اسلامية والتحول نحو الغرب والعلمانية فاستبدلت الشريعة الاسلامية كمصدر التشريع الاول بالدولة بالقانون السويسري المدني وتم احداث تغييرات في نظام المواريث كما الغي التعليم الديني ومنعت الكتابة باللغة العربية وفرضت بالحروف اللاتينية وتمت ترجمة القرآن الي التركية واتخذ يوم الاحد كعطلة رسمية بدلا من الجمعة فيما حرم الاحتفال بعيدي الاضحي والفطر وتوقف العمل بالتقويم الهجري ..
لم تكن هذه الخطوات الصادمة لمشاعر الاسلاميين بالتي تمر مرور الكرام دون مقاومة حيث تزعم الشيخ سعيد بيران البالوي النقشبندي الثورة ضد هذه الاجراءات التعسفية وطلب من بديع الزمان الدعم الا ان بديع الزمان كان قد تحول الي طور سعيد الجديد الذي لم تعد تعنيه فكرة اصلاح الخلافة بقدر ما يعنيه اصلاح الانسان المسلم فأنتهج الدعوة السلمية ووجوب جهاد النفس وتنوير الافكار ونبذ حمل السلاح في معارك داخلية مع المخالفين حكاما كانوا أو محكومين تزيد الفرقة داخل نسيج المجتمع الواحد لهذا كان رفض بديع الزمان لدعم هذه الثورة قائلا : «إن ما تقومون به من ثورة تدفع الأخ لقتل أخيه ولا تحقق أية نتيجة فالأمة التركية قد رفعت راية الإسلام وضحّت في سبيل دينها مئات الألوف بل الملايين من الشهداء فضلاً عن تربيتها ملايين الأولياء لذا لا يُستل السيف على أحفاد الأمة البطلة المضحية للإسلام الأمة التركية وأنا أيضًا لا أستلُّه عليهم.»
وعلي الرغم من سلمية الشيخ التي اعلنها بشكل صريح الا ان دعوة الشيخ الي احياء الاسلام كانت مثار قلق السلطات التركية فتعرض للسجن والتعذيب والنفي لمرات عديدة.ويتحدث بديع الزمان عن هذه الفترة بقوله : «صرفت كل همي ووقتي إلى تدبّر معاني القرآن الكريم. وبدأت أعيش حياة سعيد الجديد أخذتني الأقدار نفيًا من مدينة إلى أخرى وفي هذه الأثناء تولَّدت من صميم قلبي معاني جليلة نابعة من فيوضات القرآن الكريم أمليتها على من حولي من الأشخاص تلك الرسائل التي أطلقت عليها رسائل النور.»
انصبت مرحلة سعيد الجديد علي خدمة القران عبر ابراز حقائقه للناس والعمل علي تجديد الايمان بالقلوب وذلك بالتحول به من ايمان جامد موروث الي ايمان نابض وحي و مشهود كما يري ان العالم المادي قد خلق متطلبات حياتية شغلت الناس عن الغاية الحقيقية لوجودهم فيقول : " إن هذا العصر العجيب الذي أثقل كاهل الإنسان بالحياة الدنيوية بما كثّر عليه من متطلبات الحياة وضيّق عليه مواردَها، وحوّل حاجاته غير الضرورية إلى ضرورية بما ابتلاه من تقليد الناس بعضهم بعضاً ومن التمسك بعادات مستحكمة فيهم، حتى جعل الحياة والمعاش هي الغاية القصوى والمقصد الأعظم للإنسان في كل وقت. هذا العصر العجيب أسدل بهذه الأمور حجاباً دون الحياة الدينية والأخروية والأبدية، أو في الأقل جعلها أمراً ثانوياً أو ثالثياً بالنسبة له..". كما تحدث عن شكل العصر الذي ينشده كبديل عن هذا الشكل المادي الذي غزا مظاهر الحياة من حوله وذلك بقوله للمحكمة حينما كان مسجونا في سجن اسكشير: : " لقد تساءلتم هل أنا ممن يشتغل بالطرق الصوفية ، وإنني أقول لكم : إن عصرنا هذا هو عصر حفظ الإيمان لا حفظ الطريقة ، وإن كثيرين هم أولئك الذين يدخلون الجنة بغير طريقة ، ولكن أحداً لا يدخل الجنة بغير إيمان " .
كان لبديع الزمان رؤية رائعة متفردة في مفهوم التجديد ولا نجد ما يضاهي كلمات بديع الزمان روعة في التعبير عنها إذ يقول: “نحن العلماء كأننا أتينا نعالج أمراضاً للناس نحن بعض منها، فكيف أداوي وأنا مريض؟ فبدأتُ أقرأ في كتاب عبد القادر الجيلاني (مفاتح الغيب) فوجدت عبارة (أنت في دار الحكمة تطلب طبيباً يداوي قلبك)، فقلت: أيُّها الشيخ كن أنت طبيبي”، فقرأت الكتاب كأنّه يخاطبني، فعندما أجد عبارة (أيها المنافق)! فكأنما كان يعنيني بها! وعندما أجد عبارة (أيها المشرك)! فكأنما أنا المقصود بذلك! فلم أستطع إكمال قراءة الكتاب، وأحسستُ بجروحٍ عميقةٍ، ولكن بعد فترة وجدت أن هذه الجروح بدأت تتعافى وكان هذا بداية التجديد”.
ويقول عن منهجه في احياء الايمان" لا تحسبن أن ما أكتبه شيء مضغته الأفكار والعقول. كلا! بل فيض أفيض على روحٍ مجروح وقلب مقروح، بالاستمداد من القرآن الكريم، ولا تظنه أيضاً شيئاً سيالاً تذوقه القلوب وهو يزول. كلا! بل أنوارٌ من حقائق ثابتة انعكست على عقلٍ عليلٍ وقلبٍ مريضٍ ونفسٍ عمي".
وحينما يتحدث عن سمات اهل عصره فهو يري أن أهل هذا العصر الذي اغتر بنفسه وأصم أذنيه عن سماع القرآن أكثر من أي عصر مضى وأهل الكتاب منهم خاصة اْحوج ما يكونون إلى إرشاد القرآن الذي يخاطبهم بـ" يا اْهل الكتاب وهو يري أن المقصود بأهل الكتاب في قوله تعالي: { يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا و بينكم } " تنطبق علي عصرنا اكثر من اي عصر مضي فالمراد بها أهل الثقافة الحديثة بكل تحويه من مكونات وما تحمله من سمات و توجهات. وما دامت هذه الثقافة الحديثة و ما رافقها من مفاهيم المدنية الحديثة قد استمدت في بنائها فضائل الأديان السماوية لذا فالدعوة في هذه الاية موجهة اليهم نحو التدبر في حكمة القرآن الكريم. هذه الحكمة التي لا تقبل بغير (الحق) عمادا للحياة الاجتماعية بديلا عن (القوة)، و ترفع راية الفضائل ورضا الله غاية بدلا من (المنفعة) و تعلي من قيمة التعاون كدستور اساسي في الحياة بديلا عن الحروب والصراعات ، لتعلو في النهاية كفة الرابطة الدينية نظيراتها من العنصرية و القومية .
كما ينتقد الحرية البعيدة عن الله و روح الانسان المتمردة فيقول في تفسيره للآية الكريمة: (كُلُّ شَيٍء هالكٌ إلاّ وجْهَه) (القصص:88).ذلك لان النفس تتوهم نفسها حرة مستقلة بذاتها، لذا تدّعى نوعاً من الربوبية، وتضمر عصيانا حيال معبودها الحق. وعندما تترك الأنانية والغرور ترى نفسها حقاً أنها لا شيء بالذات، وإنما هي مرآة تعكس تجليات موجدها الحقيقي. فتظفر بوجود غير متناه وتربح وجود جميع المخلوقات. نعم، من يجد الله فقد وجد كل شيء، فما الموجودات جميعها إلاّ تجليات أسمائه الحسنى جل جلاله..".
ترك النورسي العديد من المؤلفات ومنها كليات رسائل النور وتضم معاني الايمان ورسائل الكلمات وتوجز معاني العبادة والعقيدة ورسائل اللمعات وتضم الدروس لحياتنا اليومية من مناجاة انبياء الله والسنة النبوية.
توفي سعيد النورسي في الخامس والعشرين من رمضان المبارك سنة 1379 هـ الموافق 23 مارس 1960م، وتم دفن رفاته في مدينة أورفة. ولكن السلطات العسكرية الحاكمة لتركيا خشوا من تحول قبره لقبلة للزائرين فقاموا بعد أربعة أشهر من وفاته بهدم القبر ونقل رفاته بالطائرة إلى جهة غير معلومة ولكن حتي وأن اختفي الجسد فالفكر باقي لا يواريه الثري
المراجع ...
الويكبيديا العربية
مؤلفات بديع الزمان سعيد النورسي :
رسائل النور
لاتنسى الاعجاب بصفحتنا عبر الفيس بوك لمتابعة كل جديد .
تابعلاتنسى الاعجاب بصفحتنا عبر كوكل بلس لمتابعة كل جديد
تابعلاتنسى الاعجاب بصفحتنا عبر تويتر لمتابعة كل جديد .
تابعلاتنسى الاعجاب بصفحتنا عبر اليوتيوب لمتابعة كل جديد .
تابع