د. قيس النوري
ليس بالمال وحده تكتسب الدول مكانتها، برغم أهمية التراكم المالي، دول العالم تكتسب أهميتها وفاعليتها في الإقليم من عوامل متعددة، في المقدمة منها إدراك دائرة صنع القرار فيها أهمية بناء حركتها السياسية على وفق معايير تدرس بعمق توجهات دول الإقليم على الصعيد الاستراتيجي، ومن ثم صياغة مواقف سياسية حركية فاعلة تحقق لها الأهداف السياسة الخارجية للدولة وبما يقلل من تداعيات وأضرار السياسة الخارجية لدول الإقليم، هذا على الصعيد الوطني. أما الأبعاد القومية للسياسة الخارجية فإنها توسع من دائرة فهمها وبما يحقق أمنها وأمن الامة .
هذه البديهيات أغفلها النظام السعودي، وهو بصدد تعامله مع حكومة المنطقة الخضراء في بغداد، والذي انطلق من فهم خاطئ للدور المؤذي، الذي تمارسه هذه الحكومة سواء في إدارتها للدولة العراقية أم في توجهاتها نحو المحيط العربي.
مراجعة بسيطة للسياسة الخارجية العراقية، منذ أول تشكيل لها بعد احتلال العراق، نجد أن تلك التوجهات اتسمت بعاملين أساسيين، أولهما معاداة النظم العربية، وثانيهما ارتباطها الوثيق بالسياسة الخارجية الإيرانية، بحيث تطابقت تماما مع توجهاتها، وتحولت إلى مجرد ذيل وصدى لها على حساب المصلحة الوطنية العراقية والمصلحة القومية العربية برغم تودد ساسة السعودية لنظام بغداد بالمال والموقف الدبلوماسي الداعم، إلا أن هذا الموقف لم يغير شيئا في عداد المنظومة الحاكمة للتوجهات العربية وفي المقدمة منها السعودية انسجاما واصطفافا مع المواقف الإيرانية .
هل يعتقد النظام السعودي أن حزمة المال والتبرع ببناء ملعب رياضي كفيل بسحب تبعية حكومة بغداد من المحور الإيراني؟ إذا كان هذا تصورهم فأنهم يمارسون الوهم بعينه، فارتباط هذه الحكومة بإيران إنما هو ارتباط بفكرة الولي الفقيه، وأن العراق من وجهة نظر إيران هو البوابة التي تمر منها نيات (الفقيه) في تصدير نموذجه المنحرف لإحلاله بديلاً عن الإسلام القويم، وهذا يتطلب هدم هياكل النظم العربية ما دامت تتقاطع عقيدياً مع الاستراتيجية الإيرانية بعيدة الأمد.
تقاطعات إيران مع الدول العربية ليست قائمة على قضايا خلافية يمكن حلها بالتفاوض، خلافاتها ذات أبعاد تتعلق بفلسفة الحكم التي يؤمن بها النظام الإيراني والتي تنطلق في جوهرها من فكرة الاقتلاع والإحلال، اقتلاع ما هو كائن وفرض البديل، الذي اختطته السياسة الخارجية الإيرانية، منذ 1979، ليسود ليس فقط دول الجوار العربي، وإنما نحو آفاق دولية نحو المحيط الإسلامي الواسع.
إذا كانت العربية السعودية تتصور أن شراء أمنها واتقاء الشر يأتي من خلال الريال فإنها بهذا التصور إنما تؤجل عبثا الخطر إلى أمد قصير ولا تنهيه، فهذا الريال أضعف من أن يواجه استراتيجية (حسن الصباح) تلك الاستراتيجية المبنية على الإحلال العقيدي، وهي سياسة لم تتغير بعمر الدولة الإيرانية.
الطريق السليم لتحجيم الخطر الإيراني الممارس يأتي عبر الفهم العميق وبعيد النظر لأسس التوجهات الإيرانية كونها تشكل الخطر الماثل والممارس بالقدر نفسه من الخطر الصهيوني الاستيطاني، كلاهما يسعى إلى إلغاء العرب كهوية ووجود وإحلال بدائل بصياغة تاريخية تستمد فكرتها من الشعور الزائف بالتفوق وحتمية سيادة العنصر الآري.
المشروع الصهيوني وصنوه المشروع الفارسي، صنوان يتوافقان في الأهداف في تعاملهما مع العرب كأرض وهوية ووجود، وفي تصورهما أنه لا يمكن لهذه المشاريع أن تنمو وتتوسع من دون إلغاء العرب من المعادلة وذلك من خلال ضرب مرتكزات القوة العربية، التي بدأت بضرب العراق كصفحة أولى ثم لتمتد نحو سوريا ولبنان واليمن، هذا الخطر لا يمكن تحييده أو التقليل من تأثيراته السلبية على البنية العربية بحفنة من الريالات والتقارب الدبلوماسي من طرف واحد، هذا الإجراء يضفي على حكومة بغداد التابعة القبول ومشروعية ارتمائها بالحضن الفارسي المتوثب نحو خطوات مقبلة لن تكون السعودية بعيدة عن مخالبه، بالإضافة إلى أن هذا الدعم يطيل حياة أحد أذرع إيران في المنطقة ويشكل نافذة وشريان لدعم اقتصادها لتستمر في سياستها المعادية للامة.
إلى أين أنتم ذاهبون، هل سادت الغفلة ووصل العمى الى هذه الدرجة؟
لاتنسى الاعجاب بصفحتنا عبر الفيس بوك لمتابعة كل جديد .
تابعلاتنسى الاعجاب بصفحتنا عبر كوكل بلس لمتابعة كل جديد
تابعلاتنسى الاعجاب بصفحتنا عبر تويتر لمتابعة كل جديد .
تابعلاتنسى الاعجاب بصفحتنا عبر اليوتيوب لمتابعة كل جديد .
تابع